عندنا ثروات كثيرة، منها الطبيعي ومنها غير الطبيعي. وثرواتنا هِبةٌ لا بد من استغلالها على النحو المرجو.
وعلى بُعد الاستغلال، منها ما يُستغلّ بشكل مرضٍ، ومنها ما زال استغلاله دون المستوى المطلوب.
من هذه الثروات الثروة البشرية المعروفة لنا، والتي تُشكّل الغالبية العظمى منها شريحة الشباب.
والهِبةُ على هذا البُعد مُضاعفة: فهنالك هِبة سكّانية كما هو معروف، بمعنى وفرة في عدد السكان، الأمر الذي يُشكّل عكسه، أي الشّح أو التناقص السكاني، مشكلة للعديد من الدول المتقدمة شرقاً وغرباً؛ وهنالك وفرة في الشريحة الشبابية، بمعنى أنّ نسبة الشباب والعاملين، أعلى بكثير من نسبة الشيوخ والمتقاعدين، والتي يُشكل عكسها، مرة أخرى، مشكلة كبيرة في مجتمعات أخرى.
والسؤال المهم هنا: هل يتم استغلال هذه الهِبة بِبُعديها المشار إليهما الاستغلال الأمثل؟
والجواب: كلاّ، على الرغم من بعض الاستغلال الجيد.
في عقود مضت ربّما لم تكن الإفادة من الهبة السكانية أولوية لعدّة عوامل: منها ربّما أنّ المساعدات الخارجية من الدول الشقيقة والصديقة كانت تسدّ الرّمق؛ وكانت هنالك ظروف وتحديات سياسية كبرى ربما جعلت من الاهتمام بالموارد والاقتصاد عموماً يأخذ مكانة ثانوية.
أما اليوم فالهمّ الاقتصادي هو الهمّ الأول، ولا بد من توظيف كافة إمكاناتنا ومواردنا لتمكين أنفسنا من التغلب على الصعاب وإحداث النقلة المرجوة.
ومن هنا لا بد من فعل الكثير، لتوظيف الهبة السكانية والموارد البشرية المتاحة التوظيف الأكثر مردوداً وجدوى.
من ذلك، البناء على الرؤية المدوّنة في الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، والتي تصلح لأن تكون قاعدة يتم الانطلاق منها لتحقيق بعض المطلوب على البُعد مدار الحديث، من خلال خطط تنفيذية فرعية مُحكمة، بحيث تكون توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة الاقتصادية وتكون الاستراتيجية الوطنية ذاتها، والتي ربما آن الأوان لترشيقها وتعديلها في ضوء المستجدات، الرؤية الدقيقة التي يُبنى عليها العمل الدؤوب من الآن فصاعداً.
ومن ذلك أيضاً إحداث أثر حقيقي في ربط نتاجات التعلم في البرامج الجامعية بحاجات السوق، بحيث يكون الهدف هنا ثنائياً أو مزدوجاً وليس أحادياً أو منفرداً، أي أن تكون البرامج عوناً للخريجين في إيجاد الوظيفة الملائمة في سوق العمل، من جانب، وكذلك توليد الوظائف في سوق العمل وليس السعي لإيجادها فقط، من جانب آخر. ولعلّ البعد الأخير هو الأهم.
ومن ذلك تعديل نتاجات التعلم في المواضيع والمواد، على مستويي التعليم العام والعالي، بحيث تُمكّن الطلبة من امتلاك المهارات العصرية الملائمة للالتحاق بالوظائف وتوليد الوظائف في آن واحد، ومن أهمها مهارات الثورة الصناعية الرابعة ومهارات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها الريادة والابتكار والتصميم والمهارات التقنية المهمة لإنجاح أي مشروع ناشئ.
وبَعد، فالثروة البشرية، مثلها مثل أي ثروة، بحاجة إلى عناية وتركيز وتخطيط وتنفيذ دقيق لكي نتمكن من جَنيِ ثمارها.
ومع أننا جنينا بعض الثمار ماضياً وحاضراً، ومع أننا تأكدنا من خلال اختبار ثروتنا البشرية وطنياً وإقليمياً ودولياً من أنّها ثروة مُميزة بحق، آن الأوان لجعلها الأولوية الأولى واستغلالها الاستغلال الأمثل؛ فهي في تقديرنا ربما تكون الثروة الأهم.